.
تشهد مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، تعثراً في عدد من المشاريع الضخمة التي كانت تهدف إلى تعزيز التنمية الحضرية والاقتصادية للمدينة. هذه المشاريع، التي طال انتظار سكان الدار البيضاء لتسلمها، ما زالت تواجه عقبات متنوعة تراوحت بين الإهمال وسوء التدبير. في هذا المقال، سنستعرض خمسة مشاريع ضخمة متعثرة بالمدينة المليونية، مدعمة بأرقام ومعطيات دقيقة.
في مدينة الدار البيضاء تتصدر خمسة مشاريع ضخمة قائمة المشاريع المتعثرة التي لم تر النور رغم مضي سنوات على إطلاقها. هذه المشاريع تعكس حالة من الركود والتعثر في التنفيذ، مما يؤثر سلباً على التطور الاقتصادي والاجتماعي للمدينة.
1- تهيئة كورنيش عين السبع
رغم التقدم الملحوظ في أشغال تهيئة كورنيش عين السبع بالدار البيضاء، والتي كانت توحي بقرب الانتهاء من المشروع، إلا أن الانتظار ما يزال مستمرا، إذ لم يُنجز المشروع في الموعد المحدد له في يوليوز المنصرم. هذا التأخير يثير الكثير من التساؤلات حول جدية التزام الجهات المعنية بإتمام هذا المشروع الحيوي الذي كان من المتوقع أن يشكل متنفسًا هامًا لساكنة عمالتي سيدي البرنوصي وعين السبع.
و أكد كريم كلايبي، المستشار عن مقاطعة عين السبع، أن المشروع قد بلغ مراحل جد متقدمة، وأن وتيرة الأشغال قد تسارعت بهدف تسليم هذا المشروع في وقت قياسي. إلا أن هذه الوعود لم تترجم بعد إلى واقع ملموس، مما أثار استياء السكان وزوار المنطقة الذين كانوا ينتظرون رؤية كورنيش حديث ومتكامل يليق بموقعه الاستراتيجي.
المشروع، الذي تم توقيعه أمام الملك محمد السادس في عام 2014 كجزء من مشاريع تنمية مدينة الدار البيضاء، ورصد له غلاف قدره 100 مليون درهم، يهدف إلى خلق منظر بانورامي جذاب يليق بالمنطقة، وفق منظور إيكولوجي يراعي الاستدامة ويستخدم مواد خام صديقة للبيئة. ومن المفترض أن يربط المشروع بين المدينة والواجهة الساحلية، مع توفير إطلالة على معلمة مسجد الحسن الثاني.
تجدر الإشارة إلى أن شركة « بنلحلو وإخوانه » كانت قد فازت بصفقة تهيئة كورنيش عين السبع بتكلفة مالية بلغت 70 مليون درهم. وتشمل التهيئة كورنيش شواطئ « السعادة »، « الشهدية »، و« النحلة »، على طول 3400 متر بدءًا من منطقة « ميموزا » بعين السبع وانتهاءً بساحة زناتة المحاذية لآخر تراب مقاطعة البرنوصي.
المشروع يشكل جزءا من المخطط الساحلي الكبير الممتد من دار بوعزة إلى المحمدية، والذي يهدف إلى توزيع وتهيئة الشواطئ على طول الساحل، ليصبح كورنيش عين السبع محورا لامركزيا يعزز من جاذبية المدينة.
وتم تصميم المشروع وفق منظور إيكولوجي مستدام، يأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي والمناخي للمنطقة الساحلية. لكن ورغم كل هذه التصاميم الطموحة، لا يزال المشروع عالقا في مرحلة التنفيذ، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام السلطات المحلية بتعهداتها.
2- مشروع نقل أسواق الجملة إلى حد السوالم
بعد انتظار طويل، يُرتقب أن يتم الشروع في نقل أسواق الجملة خارج أسوار مدينة الدار البيضاء خلال الـ 15 شهرا المقبلة. هذا المشروع الذي طال انتظاره يهدف إلى تخفيف الضغط عن العاصمة الاقتصادية، وتخفيف الازدحام المروري الذي تعاني منه المدينة بشكل متزايد، وذلك من خلال بناء منصة غذائية وزراعية متكاملة في منطقة حد السوالم.
في تصريحات صحفية، أكدت عمدة الدار البيضاء نبيلة الرميلي أن نقل سوق الجملة للدجاج من منطقة الحي المحمدي سيكون الأول من بين الأسواق التي سيتم نقلها، حيث من المقرر إغلاق السوق الحالي بعد تدشين المنصة الجديدة. ويتبع ذلك نقل باقي أسواق الجملة، بما في ذلك سوق الخضر والفواكه بسيدي عثمان، سوق الجملة للأسماك في الهراويين، سوق البيض في جيروند، وسوق الدواجن بالحي المحمدي، إلى نفس المنصة.
إقرأ أيضا : نقل أسواق الجملة خارج الدار البيضاء بعد حوالي 15 شهرا
المشروع، الذي رُصدت له ميزانية تقدر بـ 1.5 مليار درهم، يُمول بالشراكة بين جماعة الدار البيضاء، مجلس الجهة، وزارتي الداخلية والفلاحة، وصندوق الإيداع والتدبير. المنصة الجديدة، التي ستقام على مساحة 309 هكتارات في جماعة الساحل ولاد حريز، تبعد حوالي 14 دقيقة عن مدينة الدار البيضاء. ويأمل المجلس الجماعي من خلال هذا المشروع في تحقيق مدينة غذائية بمعايير عالمية تكون الأولى من نوعها على المستوى الوطني.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الطموحات الكبيرة المصاحبة لهذا المشروع، يبقى التنفيذ الفعلي بعيدًا عن الوصول إلى الأهداف المحددة. فالبنية التحتية للأسواق الحالية تشهد تدهورًا واضحًا، مما يفاقم من المشكلات المتعلقة بالنظافة والصحة والسلامة. إضافة إلى ذلك، فإن التحديات التي تواجه نقل هذه الأسواق متعددة، منها اللوجستية، ومنها ما يتعلق بتنسيق الجهود بين مختلف الجهات الممولة والمنفذة.
التأخير في تنفيذ المشروع أثار تساؤلات حول مدى قدرة السلطات المحلية على تنفيذ هذا المشروع الطموح في الوقت المحدد، خصوصا وأن الموعد المعلن لنقل الأسواق أصبح قريبًا. فهل ستتمكن جماعة الدار البيضاء من تجاوز العقبات وتحقيق الأهداف المرسومة؟ أم أن تعثر المشروع سيظل هو السمة الغالبة، مما يزيد من حالة الإحباط لدى السكان والمستثمرين على حد سواء؟
3- إعادة تهيئة حديقة الحيوانات عين السبع
على الرغم من انتهاء الأشغال في حديقة الحيوانات عين السبع، فإن مسؤولي المدينة لم يستقروا بعد على تحديد موعد الافتتاح الرسمي. في كل مرة يتم الإعلان عن موعد محدد لافتتاح الحديقة، يُفاجأ السكان بتأجيله لأسباب تختلف من مرة لأخرى. هذا التأجيل المستمر أثار استياء العديد من سكان المدينة، الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر افتتاح الحديقة للاستمتاع بمرافقها.
تعد حديقة الحيوانات عين السبع من المشاريع المهمة التي كان يُفترض أن تضيف بُعدًا جديدًا للفضاءات الترفيهية في مدينة الدار البيضاء. انطلقت أشغال المشروع في عام 2016 بتكلفة تقديرية بلغت حوالي 250 مليون درهم، وكان الهدف من وراء هذا الاستثمار الكبير هو توفير متنفس للعائلات وأماكن ترفيهية للأطفال، تساهم في تعزيز جودة الحياة في المدينة التي تعاني من نقص حاد في مثل هذه المرافق.
ورغم مرور سنوات على انطلاق الأشغال، إلا أن المشروع لم يتم تسليمه حتى الآن. فقد كان من المفترض أن تكون حديقة الحيوانات عين السبع جاهزة لاستقبال الزوار منذ عدة أشهر، ولكن الواقع يشير إلى تعثرات مستمرة تحول دون ذلك.
الحديقة، التي كانت تُعتبر واحدة من أقدم وأشهر حدائق الحيوانات في المغرب، كانت في الماضي وجهة مفضلة لسكان الدار البيضاء وزوارها. وكانت إعادة تهيئتها وتطويرها جزءًا من رؤية شاملة لتحويلها إلى فضاء ترفيهي وتعليمي يلبي المعايير الدولية. لكن تعاقب السنوات دون إتمام المشروع جعل الكثيرين يشككون في قدرة الجهات المعنية على الوفاء بالتزاماتها.
4- إعادة تهيئة منطقة زناتة
منطقة زناتة، الواقعة بين العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء والعاصمة الإدارية الرباط، كانت محط أنظار المخططين والمستثمرين منذ الإعلان عن مشروع إعادة تهيئتها في عام 2013.
هذا المشروع الطموح، الذي يمتد على مساحة 1830 هكتارًا ويطل على واجهة بحرية تزيد عن 5 كيلومترات، كان من المفترض أن يُحول المنطقة إلى محور اقتصادي واجتماعي يعزز من جودة الحياة في المدينة، ويستجيب للمعايير الدولية للتنمية المستدامة.
برؤية استشرافية، تم تحديد أهداف كبرى للمشروع تشمل إحداث 100000 فرصة عمل واستيعاب 300000 نسمة، باستثمار ضخم قدره 21 مليار درهم. تولت شركة تهيئة زناتة، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، قيادة هذا المشروع، الذي كان من المنتظر أن يساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط عن الدار البيضاء وتقديم نموذج جديد للمدن المستدامة في المغرب.
ورغم مرور أكثر من عقد على إطلاق المشروع، إلا أن النتائج على أرض الواقع لا تعكس تلك الطموحات الكبيرة. الأعمال ما زالت متعثرة، والعديد من المرافق والبنى التحتية لم تُستكمل بعد.
هذا الوضع أثار تساؤلات حادة حول الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمشروع في ظل الظروف الراهنة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتعاقبة والتحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي بشكل عام.
التأخير في تنفيذ المشروع لم يؤثر فقط على التوقعات الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، بل خلق أيضًا حالة من الإحباط بين السكان والمستثمرين المحتملين. فما كان يُنظر إليه كأحد المشاريع الكبرى التي ستساهم في تحويل وجه المدينة، أصبح الآن يُعتبر مثالًا على التعثرات والتحديات التي تعيق تنفيذ المشاريع الضخمة في المغرب.
5- مشروع المسرح الكبير بالدار البيضاء
يترقب سكان الدار البيضاء افتتاح المسرح الكبير للمدينة بفارغ الصبر، بعد أن انتهت الأشغال فيه منذ أشهر طويلة، ومع ذلك، ما زالت أبوابه موصدة لأسباب مجهولة. هذا المسرح، الذي كان من المفترض أن يكون منارة ثقافية تضيف قيمة للبنية الثقافية للعاصمة الاقتصادية، أصبح اليوم موضوعاً للتساؤلات والشائعات التي تنتشر بين سكان المدينة.
تم تخصيص ميزانية ضخمة تتجاوز 144 مليار سنتيم لإنجاز هذا المشروع الثقافي الكبير. ورغم الانتهاء من الأعمال الإنشائية، إلا أن المسرح لم يُفتح بعد للجمهور، ما أثار استغراب وقلق البيضاويين. ومع طول فترة الإغلاق، بدأت الأقاويل تنتشر حول أسباب التأخير، منها ما يتعلق بعدم مطابقة الأعمال المنجزة مع دفتر التحملات، ومنها ما يشير إلى تخوف الأطراف المعنية من التوقيع على التسليم النهائي للمشروع.
في ظل هذا الغموض، تدخل والي الجهة، محمد امهيدية، في الموضوع، حيث أشارت مصادر مطلعة إلى أنه طلب تقريراً مفصلاً حول البناية ودفتر تحملاتها، بالإضافة إلى تفاصيل تقنية أخرى للاطلاع عليها. هذا التدخل قد يفتح الباب أمام تطورات جديدة في ملف المسرح الكبير بالدار البيضاء، وربما يقود إلى حلحلة الأزمة التي تعيق افتتاح هذا المعلم الثقافي، الذي ينتظر أن يشكل معلمة ثقافية بارزة تُعزز من مكانة المدينة الثقافية على المستوى الوطني والدولي.
يذكر أنه كان من المقرر أن يفتح أبوابه منذ سنوات، إلا أن جائحة كوفيد وتداعياتها أدت إلى تأجيل الافتتاح، مما ساهم في تزايد علامات الإهمال التي بدأت تظهر على واجهات المبنى. ومع مرور الوقت، أصبحت الحاجة إلى تدخلات عاجلة من أجل صيانة المبنى وافتتاحه للجمهور أكثر إلحاحا.